0
www.crimedz.blogspot.com




مفهوم العنف الأسري:

        جاء تعريف العنف الأسري في بعض وثائق الأمم المتحدة على أنه: جميع أشكال إساءة المعاملة البدنية أو النفسية أو الجنسية التي ترتكب من قبل فرد على فرد آخر في إطار العلاقات الشخصية أو الأسرية أو الذي يرتكبه الشخص بما له من سلطة أو ولاية أو مسؤولية في الأسرة.
     و يعرفه الدكتور مصطفى التير عندما حدد أفعال العنف العائلي و حصرها في الأفعال التي يقوم بها أفراد العائلة و تلحق ضررا ماديا أو معنويا أو كليهما بعضو آخر في نفس العائلة، و يعني هذا: الضرب بأنواعه، و حبس الحرية، و الحرمان من الحاجات الأساسية، و الإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد، و الطرد، و التسبب في كسور أو جروح، و التسبب في إعاقة،و القتل.

أنواع العنف الأسري و أسبابه:

    تعدد أنواع العنف الأسري بتعدد الأطراف المكونة للعلاقات الأسرية، و لكن يتركز الاهتمام كثيرا على الطفل و المرأة بحسبان أن غالب العنف إنما يقع عليهما.

01/ إساءة معاملة الأطفال:

و هي الأذى الجسدي أو العاطفي أو الإساءة الجنسية أو إهمال الطفل تحت سن معينة، يقوم بها الشخص المسؤول عن رعايته تحت ظروف تهدد أو تضر بصحة الطفل و سعادته.
و يتفق أكثر الباحثين على أن العنف النفسي للأطفال هو الامتناع عن عن تحقيق أي شيء من الآتي:
v  السلوك الايجابي من الوالدين مثل العنق و الابتسام.
v  أي سلوك سلبي يحدث نتيجة خلل في العلاقة بين الأب و ابنه.
v  أي سلوك أبوي يؤدي إلى تقلص المهارات الاجتماعية للأداء الجيد في الوسط غير العائلي.
v  الإهمال البدني و العاطفي، فالبدني هو رفض العناية بالطفل و الهجر و تركه بلا عناية أو تركه بمفرده في البيت أو طرده من البيت، أما الإهمال العاطفي فيتضمن الإساءة إلى الزوج أو الزوجة في وجود الأطفال و السماح للطفل بتعاطي المخدرات و الكحوليات و الفشل في تزويد الطفل بالرعاية النفسية مثل الثناء عليه و الإطراء،و هناك الإهمال التربوي بالسماح لطفل بالتغيب عن المدرسة دون عذر و عدم إدراجه بالمدرسة عند السن الإلزامي للتعليم و عدم الانتباه لحاجاته التربوية الخاصة.
02/ العنف الموجه إلى المرأة:

    هو الإيذاء الواقع على المرأة من قبل أحد أفراد الأسرة، و قد يتخذ الأذى شكلا ماديا كالضرب أو القتل، أو شكلا معنويا يرتبط بالأذى النفسي أو العاطفي.
و يتوسع البعض في تعريف العنف ضد المرأة لإطلاق وصف العنف على أفعال قد تكون مقبولة اجتماعيا بمعايير الثقافة السائدة في مجتمع معين مثل ختان البنات، و الإرغام على الزواج.
أسباب العنف الأسري:

      لا يوجد اتفاق بين العلماء على أسباب العنف، و عما إذا كان غريزيا وراثيا أم لأسباب أخرى، و ما هو متفق عليه هو أن نزعة العنف مشتركة بين البشر جميعا، و يكون الفرق في السلوك العدواني بين الأشخاص و المناطق و داخل البلد الواحد و اختلاف معدلات العنف باختلاف المناطق و الثقافات و اختلافه باختلاف الظروف الاقتصادية و المهنية.
و من جملة الأسباب نجد:

01/ أسباب ثقافية:

ترى بعض المدارس الاجتماعية أن العنف له علاقة بالمحيط الاجتماعي للفرد، و هذا ما أشار إليه العالمان الأمريكيان Walfgeng و العالم Fernuctti، عن الثقافة الفرعية للعنف، و أن العنف يكون نتيجة ثقافة فرعية في منطقة معينة تختلف عن الثقافة العامة، و هذا معناه أن هناك ثقافة فرعية تنمو و تزدهر في حي من الأحياء أو منطقة من المناطق بحيث تشجع هذه الثقافة على استعمال العنف فينمو هذا متماشيا مع الثقافة السائدة، و تصبح جرائم العنف نمطا ثقافيا متعارفا و مقبولا وسط هذه الثقافة في ذلك المجتمع المحلي و المحدود.
و من أمثلة هذه الثقافات السائدة التي تشجع على العنف هناك: ختان الإناث المنتشر في بعض الدول المسلمة على غرار مصر، و الذي يعد نوعا من العنف الممارس على الأطفال.
كما أن هناك اعتقاد غريب في جنوب إفريقيا مفاده أن ممارسة الجنس مع الفتيات صغيرات السن يعالج الإيدز، و كان هذا الاعتقاد سببا في انتشار حالات الاغتصاب و انتشار فيروس الإيدز.
و توجد في جمهورية صربيا، عادات تجعل صفع الرجل زوجته جزءا من تقاليد الحياة الزوجية، بل إن ضرب المرأة من علامات الزواج الناجح.
و على هذا الاختلاف في التقاليد و الأعراف يجعل من الصعب وضع معايير عالمية موحدة للحكم على ظاهرة العنف، لأن ما يمكن تصنيفه على أنه سوء معاملة في هذا المجتمع، يراه المجتمع الآخر من صميم تقاليده و أعرافه الاجتماعية.

02/ أسباب اجتماعية:

إن تحول القيم المجتمعية و الأسرية نحو الفردية و المادية و النزعات الاستهلاكية أضعف العلاقات الأسرية و أثر سلبا على قيم التضامن و التعاون فيها، و ساهم في ظهور أنماط جديدة من السلوك ألانحرافي لدى أفراد المجتمع.
ففي السابق كان الأصل هو مواجهة مشكلات الحياة مواجهة جماعية عن طريق عائلة متماسكة، و مسؤولية كاملة من طرف الآباء، غير أن طغيان المادة و الروح الاستهلاكية، وضع الأسرة أمام العديد من الضغوط اليومية و من صم حصول عد التوافق الأسري و التوافق السلبي على العلاقات.
و في بعض البلاد العربية ضلت التقاليد و العادات تجرم ضرب المرأة و تعد ذلك عيبا يوصم من يقترفه بالعار و يقولون " ما يضرب الحرمة إلا حرمة مثلها ".
و بحكم تغير الأوضاع الاجتماعية فإن العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة أصابها التغيير، فاتجهت أنماط الأسر إلى الأسرة النووية حيث تسود قيم الفردية و الاستقلال حتى داخل البيت الواحد، و تحولت معها بعض أنماط الحماية العشائرية، فقد كانت المرأة أو البنت المعنفة تلجأ في السابق إلى كبير العشيرة أو الأسرة الممتدة فتصبح في جواره و حمايته.

03/ الضغوط النفسية:

تعد الضغوط النفسية بسبب المشكلات المادية من أشد الضغوط وطأة و أكثرها أثرا، إذ تتعرض الأسرة لخسارة مالية أو فقدان العائل وظيفته أو تبديده المال لانحراف شخصي و عدم تقدير، فيؤثر ذلك على الانفعالات و السلوك و العلاقات.
كما قد يفسر انتشار العنف المنزلي إلى زيادة الضغوط النفسية بسبب اختلال التنظيم الاجتماعي الناشئ عن الانتقال من الريف إلى المدن، و نشوء امتدادات من التجمعات العشوائية  و التي تكون مرتع للفقر و العوز و الزحام مما يفضي إلى نتائج اجتماعية و خيمة .
كما أن الغنى الطاغي يمكن أن يكون سببا، فانتشار الرخاء الاقتصادي و تيسر أسباب الراحة و الغذاء الجيد يولد طاقة زائدة لدى المراهقين و الشباب دون تصريف نافع من عمل أو رياضة، فتجد المجال للتصريف في أفعال عنيفة منها الاعتداء على الآخرين.

كيفية الوقاية من العنف الأسري:

إن الوقاية من هذه الظاهرة الاجتماعية يتطلب تكاثف عدة جهود و مؤسسات اجتماعية لدراسة أسباب هذه الظاهرة أولا، ثم وضع حلول لها، و لعل أهم هذه المؤسسات الاجتماعية ذات التأثير الحقيقي على الحد من ظاهرة العنف الأسري نجد:

الهيئات الأهلية و الرسمية:

    حيث يتصدى للوقاية أو العلاج من العنف الأسري هيئات أمنية و عدلية و تربوية، إلى جانب هيئات الرعاية الاجتماعية و الصحية، ذلك لأن العنف الأسري ظاهرة اجتماعية مركبة و متعددة الأبعاد و ينبغي ألا يطغى جانب من التعامل على جانب آخر، بحيث يظهر التعامل مع الظاهرة كما لو كان أمنيا بحتا أو قانونيا خالصا أو مجرد تعامل طبي.
والجانب المنتظر من هذه الهيئات يكمن فيما يلي:
v  معرفة مستوى مشكلة العنف في المجتمع لتحديد السياسات و الآليات للحد منها، و ذلك من خلال القيام بإجراء مسح مجتمعي للوقوف على الأسباب والدوافع.
v  رفع مستوى الوعي لدى المجتمع أفرادا و مؤسسات بأضرار العنف الأسري و تأثيره على المجتمع على المدى البعيد.
v  إنشاء برامج للأمن الأسري، يكفل الرعاية لمتأثري العنف، و الدفاع عن حقوقهم و رفع المعاناة عنهم.
v  إعداد استراتيجيات و خطط مستقبلية لمكافحة هذه الظاهرة اعتمادا على قاعدة علمية مستمدة من مسوح اجتماعية و دراسات إحصائية.
v  إصدار قوانين و عقوبات تجرم و تعاقب عليه للحد من هذه الظاهرة.
v  الاعتماد على المرجعية الدينية للوقاية من هذه الظاهرة، و التي تعد أي المرجعية الدينية أكبر ركيزة لمواجهة و علاج الأدواء الاجتماعية كافة، و لا شك أننا نجد أقوى مبادئ الدعم و المساندة لقيم الحياة الأسرية في دين الإسلام، فجعل من الأسرة النواة التي يجد فيها الفرد حياة السكينة و الرحمة، كما حدد حقوقا مشتركة للزوجين و حقوقا منفردة لكل منهما، وقد حث الإسلام على حسن الخلق و المعاملة و التأدب و الرفق و تجنب الغضب، كما حث على حسن المعاشرة مع الزوج و الأهل و الولد، و الإحسان لهم و للنساء بخاصة.
و على هذا الأساس فإنه يبقى الدين أهم المداخل لمعالجة العنف بكافة أشكاله، لما يوجده من احترام و أثر في المجتمع، و إذا ما استخدم الخطاب الديني بأسلوب فاعل يكون له أعظم الأثر.
و بالنظر إلى عدة استطلاعات بين العلماء و الخبراء أجريت لمعرفة أسباب العنف وجد أن أكثر المشاركين يرون أن السبب هو نقص الوازع الديني الذي يضمن مكانة و حق كل فرد من أفراد المجتمع عامة و أفراد الأسرة خاصة.
خاتمة:
 إن التعامل مع هكذا ظواهر يلزم جميع المؤسسات و الهيئات من هيئات رسمية كالمؤسسة الدينية، المؤسسة الثقافية، الإعلام بكل فروعه و وسائله، و غير رسمية كالجمعيات و المنظمات و غيرها، من بذل الجهود للوقوف على الضرر الحقيقي لهذه الظواهر و محاربتها بشتى الطرق.

من كتاب " وسائل الإعلام و العنف الأسري " بتصرف.

إرسال تعليق

 
Top